کد مطلب:280399 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:284

فتنة العجل
لا شك أن أبرز ظاهرة فی خصائص الدیانة المصریة القدیمة هی



[ صفحه 88]



كثرة الآلهة، ولو ذرعنا المنطقة من منف إلی أسوان وبحثنا فی كل مركز من مراكز العبادة، لوجدنا كائنات إلهیة تتخذ صور الأبقار والتماسیح والكباش والكلاب الوحشیة واللبؤات والعجول، وكثیرا من المخلوقات الأخری ویطلق علیها عادة أسماء شتی فی مختلف المدن، ورغم أن الآلهة تبعا لبلادها كانت تختلف فی الشكل وفی الاسم. إلا أنه توجد عدة دلائل علی أن المعتقدات الدینیة كانت موحدة فی أذهان المصریین أكثر مما نظن من واقع اختلاف أشكال الآلهة وأسمائهم [1] ویجل جمیع قدماء المصریین البقرة لأنها معطیة اللبن ولأنها الأم السماویة للشمس كما یعتقدون، وأطلقوا علی البقرة اسم (صخور) وكثیرا ما كانوا یبنون لها المعابد ویكرسون لها قطعانا كاملة من أخواتها، وكذلك للآلهة التی تتخذ صورة الثور (مثل: مونتو، ومین، وآمون) وللثیران التی تتجسد فیها الآلهة (مثل: منفیس، أبیس، هلیوبولیس). [2] .

والعجل أبیس له بصمات واضحة علی العقیدة المصریة القدیمة، فهو رمز الاخصاب. واعتقد المصریون أن العجل أبیس اقترن بإله منف (بتاح) واندمج فی (أوزیریس) فتكون منهما إله جنائزی. ومنذ ذلك الوقت اتخذ موت العجل أبیس أهمیة بالغة، فیدفن بجنازة رسمیة وسط جمع من الكهنة وغیرهم الذین كانوا یحضرون له الهدایا من كافة أرجاء المملكة، وكانوا یعتقدون أن أبیس عندما یموت یعود فیولد من جدید، ولهذا كان الكهنة یبحثون عنه بمجرد أن یموت، ویتوجهون إلی الحقول ویفحصون القطعان للعثور علی ذلك الإله الذی یمكن التعرف علیه بعلامات خاصة فوق جلده، وعندما یعثرون علیه یحل الفرح محل الحزن ویتوج العجل الإلهی فی الحظیرة المقدسة بمنف. حیث یعیش



[ صفحه 89]



مع أمه یحیط به حریم الأبقار. [3] .

فالبقرة ترمز إلی الاخصاب. وعقیدتها تقول أنها فی (أبیس) بمجرد أن تموت تبعث من جدید. وهی فی (صخور) حاكمة السماء وجسمها الحقیقی، والروح الحیة للأشجار، ومربیة ملك مصر، وأم حورس، وربة الذهب، وشخصیة متعددة الألوان بوسعها أن تأخذ صورة لبؤة، وهی ربة للسعادة والرقص والموسیقی. [4] .

فس هذه العقائد شربت قلوب الذین كفروا من بنی إسرائیل حب العجول. وقبل أن تجف أقدامهم من عبور البحر مع موسی علیه السلام اتخذوا العجل إلها. قال تعالی: (ولقد جاءكم موسی بالبینات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون. وإذ أخذنا میثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتیناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصینا وأشربوا فی قلوبهم العجل بكفرهم). [5] .

وعلی عقیدة بعث العجل بمجرد أن یموت، إنطلقوا فی آشور وفی بابل تحت سقف السبی، یبحثون عن هویة جدیدة تبعث علیها دولتهم، لتضاهی (حخور) حاكمة السماء وجسمها الحقیقی. وتكون كالروح الحیة للأشجار كما تقول عقیدة الأبقار، وتحت سقف البحث عن هویة.

كانت ید الله تعمل فی الخفاء وهم لا یشعرون، قال تعالی: (إن الذین اتخذوا العجل سینالهم غضب من ربهم وذلة فی الحیاة الدنیا وكذلك نجزی المفترین) [6] وذلك لأن نظام العالم هو نظام الأسباب والمسببات، والمسیرة لم تأخذ بأسباب التوبة والرجوع إلی الله، وإنما



[ صفحه 90]



أخذت بأسباب لا تحقق النجاة ولا تهدی طریقا إلا طریق الفتنة التی تقود أتباعها إلی جهنم.


[1] الميزان 210 / 1.

[2] معجم الحضارة المصرية القديمة ص 32.

[3] المصدر السابق ص 3.

[4] المصدر السابق ص 96.

[5] سورة البقرة آية 92.

[6] سورة الأعراف آية 152.